الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر المحيط في تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)
وقراءة الرفع أمكن في المعنى، ولهذا أجمع عليها السبعة، لأنها تدل على ثبوت الحمد واستقراره لله تعالى، فيكون قد أخبر بأن الحمد مستقر لله تعالى، أي حمده وحمد غيره. ومعنى اللام في لله الاستحقاق، ومن نصب، فلابد من عامل تقديره أحمد الله أو حمدت الله، فيتخصص الحمد بتخصيص فاعله، وأشعر بالتجدد والحدوث، ويكون في حالة النصب من المصادر التي حذفت أفعالها، وأقيمت مقامها، وذلك في الأخبار، نحو شكراً لا كفراً. وقدر بعضهم العامل للنصب فعلاً غير مشتق من الحمد، أي أقول الحمد لله، أو الزموا الحمد لله، كما حذفوه من نحو اللهم ضبعاً وذئباً، والأول هو الصحيح لدلالة اللفظ عليه. وفي قراءة النصب، اللام للتبيين، كما قال أعني لله، ولا تكون مقوية للتعدية، فيكون لله في موضع نصب بالمصدر لامتناع عمله فيه.قالوا سقياً لزيد، ولم يقولوا سقياً زيداً، فيعملونه فيه، فدل على أنه ليس من معمول المصدر، بل صار على عامل آخر.قرأ زيد بن علي وطائفة {رب العالمين} بالنصب على المدح، وهي فصيحة لولا خفض الصفات بعدها، وضعفت إذ ذاك. على أن الأهوازي حكى في قراءة زيد بن علي أنه قرأ {رب العالمين الرحمن الرحيم} بنصب الثلاثة، فلا ضعف إذ ذاك، وإنما تضعف قراءة نصب رب، وخفص الصفات بعدها لأنهم نصوا أنه لا اتباع بعد القطع في النعوت، لكن تخريجها على أن يكون الرحمن بدلاً، ولاسيما على مذهب الأعلم، إذ لا يجيز في الرحمن أن يكون صفة، وحسن ذلك على مذهب غيره، كونه وصفاً خاصاً، وكون البدل على نية تكرار العامل، فكأنه مستأنف من جملة أخرى، فحسن النصب. وقول من زعم أنه نصب رب بفعل دل عليه الكلام قبله، كأنه قيل نحمد الله رب العالمين، ضعيف، لأنه مراعاة التوهم، وهو من خصائص العطف، ولا ينقاس فيه. ومن زعم أنه نصبه على البدل فضعيف للفصل بقوله الرحمن الرحيم، ورب مصدر وصف به على أحد وجوه الوصف بالمصدر، أو اسم فاعل حذفت ألفة، فأصله راب، كما قالوا رجل بار وبر، وأطلقوا الرب على الله وحده، وفي غيره قيد بالإضافة نحو رب الدار. وأل في العالمين للاستغراق، وجمع العالم شاذ لأنه اسم جمع، وجمعه بالواو والنون أشذ للإخلال ببعض الشروط التي لهذا الجمع، والذي أختاره أنه ينطلق على المكلفين لقوله تعالى: {إن في ذلك لآيات للعالمين}، وقراءة حفص بكسر اللام توضح ذلك.{الرحمن الرحيم} تقدم الكلام عليهما في البسملة، وهما مع قوله {رب العالمين} صفات مدح، لأن ما قبلهما علم لم يعرض في التسمية به اشتراك فيخصص، وبدأ أولاً بالوصف بالربوبية، فإن كان الرب بمعنى السيد، أو بمعنى المالك، أو بمعنى المعبود، كان صفة فعل للموصوف بها التصريف في المسود والمملوك والعابد بما أراد من الخير والشر، فناسب ذلك الوصف بالرحمانية والرحيمية، لينبسط أمل العبد في العفو إن زل، ويقوى رجاؤه إن هفا، ولا يصح أن يكون الرب بمعى الثابت، ولا بمعنى الصاحب، لامتناع إضافته إلى العالمين، وإن كان بمعنى المصلح، كان الوصف بالرحمة مشعراً بقلة الإصلاح، لأن الحامل للشخص على إصلاح حال الشخص رحمته له. ومضمون الجملة والوصف إن من كان موصوفاً بالربوبية والرحمة للمربوبين كان مستحقاً للحمد. وخفض الرحمن الرحيم الجمهور، ونصبهما أبو العالية وابن السميفع وعيسى بن عمرو، ورفعهما أبو رزين العقيلي والربيع بن خيثم وأبو عمران الجوني، فالخفض على النعت، وقيل في الخفض إنه بدل أو عطف بيان، وتقدم شيء من هذا.والنصب والرفع للقطع. وفي تكرار الرحمن الرحيم أن كانت التسمية آية من الفاتحة تنبيه على عظم قدر هاتين الصفتين وتأكيد أمرهما، وجعل مكي تكرارها دليلاً على أن التسمية ليست بآية من الفاتحة، قال: إذ لو كانت آية لكنا قد أتينا بآيتين متجاورتين بمعنى واحد، وهذا لا يوجد إلا بفواصل تفصل بين الأولى والثانية. قال: والفصل بينهما بالحمد لله رب العالمين كلا فصل، قال: لأنه مؤخر يراد به التقديم تقديره الحمد لله، الرحمن الرحيم، رب العالمين، وإنما قلنا بالتقديم لأن مجاورة الرحمة بالحمد أولى، ومجاورة الملك بالملك أولى. قال: والتقديم والتأخير كثير في القرآن، وكلام مكي مدخول من غير وجه، ولولا جلالة قائلة نزهت كتابي هذا عن ذكره. والترتيب القرآني جاء في غاية الفصاحة لأنه تعالى وصف نفسه بصفة الربوبية وصفة الرحمة، ثم ذكر شيئين، أحدهما ملكه يوم الجزاء، والثاني العبادة. فناسب الربوبية للملك، والرحمة العبادة. فكان الأول للأول، والثاني للثاني. وقد ذكر المفسرون في علم التفسير الوقف، وقد اختلف في أقسامه، فقيل تام وكاف وقبيح وغير ذلك. وقد صنف الناس في ذلك كتباً مرتبة على السور، ككتاب أبي عمر، والداني، وكتاب الكرماني وغيرهما، ومن كان عنده حظ في علم العربية استغنى عن ذلك.{مالك} قرأ مالك على وزن فاعل بالخفض، عاصم، والكسائي، وخلف في اختياره، ويعقوب، وهي قراءة العشرة إلا طلحة، والزبير، وقراءة كثير من الصحابة منهم: أُبي، وابن مسعود، ومعاذ، وابن عباس، والتابعين منهم: قتادة والأعمش. وقرأ ملك على وزن فعل بالخفض باقي السبعة، وزيد، وأبو الدرداء، وابن عمر، والمسور، وكثير من الصحابة والتابعين. وقرأ ملك على وزن سهل أبو هريرة، وعاصم الجحدري، ورواها الجعفي، وعبد الوارث، عن أبي عمرو، وهي لغة بكر بن وائل. وقرأ ملكي بإشباع كسرة الكاف أحمد بن صالح، عن ورش، عن نافع. وقرأ ملك على وزن عجل أبو عثمان النهدي، والشعبي، وعطية، ونسبها ابن عطية إلى أبي حياة. وقال صاحب اللوامح: قرأ أنس بن مالك، وأبو نوفل عمر بن مسلم بن أبي عدي ملك يوم الدين، بنصب الكاف من غير ألف، وجاء كذلك عن أبي حياة، انتهى. وقرأ كذلك، إلا أنه رفع الكاف سعد بن أبي وقاص، وعائشة، ومورق العجلي. وقرأ ملك فعلاً ماضياً أبو حياة، وأبو حنيفة، وجبير بن مطعم، وأبو عاصم عبيد بن عمير الليثي، وأبو المحشر عاصم بن ميمون الجحدري، فينصبون اليوم. وذكر ابن عطية أن هذه قراءة يحيى بن يعمر، والحسن وعلي بن أبي طالب. وقرأ مالك بنصب الكاف الأعمش، وابن السميفع، وعثمان بن أبي سليمان، وعبد الملك قاضي الهند. وذكر ابن عطية أنها قراءة عمر بن عبد العزيز، وأبي صالح السمان، وأبي عبد الملك الشامي.وروى ابن أبي عاصم عن اليمان ملكاً بالنصب والتنوين. وقرأ مالك برفع الكاف والتنوين عون العقيلي، ورويت عن خلف بن هشام وأبي عبيد وأبي حاتم، وبنصب اليوم. وقرأ مالك يوم بالرفع والإضافة أبو هريرة، وأبو حياة، وعمر بن عبد العزيز بخلاف عنه، ونسبها صاحب اللوامح إلى أبي روح عون بن أبي شداد العقيلي، ساكن البصرة. وقرأ مليك على وزن فعيل أُبي، وأبو هريرة، وأبو رجاء العطاردي. وقرأ مالك بالإمالة البليغة يحيى بن يعمر، وأيوب السختياني، وبين بين قتيبة بن مهران، عن الكسائي. وجهل النقل، أعني في قراءة الإمالة، أبو علي الفارسي فقال: لم يمل أحد من القراءة ألف مالك، وذلك جائز، إلا أنه لا يقرأ بما يجوز إلا أن يأتي بذلك أثر مستفيض. وذكر أيضاً أنه قرئ في الشاذ ملاك بالألف والتشديد للام وكسر الكاف. فهذه ثلاث عشرة قراءة، بعضها راجع إلى الملك، وبعضها إلى الملك، قال اللغويون: وهما راجعان إلى الملك، وهو الربط، ومنه ملك العجين. وقال قيس بن الخطيم:
والأملاك ربط عقد النكاح، ومن ملح هذه المادة أن جميع تقاليبها الستة مستعملة في اللسان، وكلها راجع إلى معنى القوة والشدة، فبينها كلها قدر مشترك، وهذا يسمى بالإشتقاق الأكبر، ولم يذهب إليه غير أبي الفتح. وكان أبو علي الفارسي يأنس به في بعض المواضع وتلك التقاليب: ملك، مكل، كمكل، لكم، كمل، كلم. وزعم الفخر الرازي أن تقليب كمكل مهمل وليس بصحيح، بل هو مستعمل بدليل ما أنشد الفراء من قول الشاعر: والملك هو القهر والتسليط على من تتأتى منه الطاعة، ويكون ذلك باستحقاق وبغير استحقاق. والملك هو القهر على من تتأتى منه الطاعة، ومن لا تتأتى منه، ويكون ذلك منه باستحقاق، فبينهما عموم وخصوص من وجه. وقال الأخفش: يقال ملك من الملك، بضم الميم، ومالك من الملك، بكسر الميم وفتحها، وزعموا أن ضم الميم لغة في هذا المعنى. وروي عن بعض البغداديين لي في هذا الوادي ملك وملك بمعنى واحد.{يوم}، اليوم هو المدة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويطلق على مطلق الوقت، وتركيبه غريب، أعني وجود مادة تكون فاء الكلمة فيها ياء وعينها واواً لم يأت من ذلك سوى يوم وتصاريفه ويوح اسم للشمس، وبعضهم زعم أنه بوج بالباء، والمعجمة بواحدة من أسفل. {الدين} الجزاء دناهم كما دانوا، قاله قتادة، والحساب {ذلك الدين القيِّم}، قاله ابن عباس والقضاء {ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله}، والطاعة في دين عمرو، وحالت بيننا وبينك فدك، قاله أبو الفضل والعادة، كدينك من أم الحويرث قبلها، وكنى بها هنا عن العمل، قاله الفراء والملة،{ورضيت لكم الإسلام ديناً} {إن الدين عند الله الإسلام} والقهر، ومنه المدين للعبد، والمدينة للأمة، قاله يمان بن رئاب. وقال أبو عمرو الزاهد: وإن أطاع وعصى وذل وعز وقهر وجار وملك. وحكى أهل اللغة: دنته بفعله دَيناً ودِيناً بفتح الدال وكسرها جازيته. وقيل: الدين المصدر، والدين بالكسر الإسم، والدين السياسة، والديان السايس. قال ذو الإصبع عنه: ولا أنت دياني فتحزوني، والدين الحال. قال النضر بن شميل: سألت أعرابياً عن شيء، فقال: لو لقيتني على دين غير هذا لأخبرتك، والدين الداء عن اللحياني وأنشد: فإن كان بلفظ ملك على فعل بكسر العين أو إسكانه أو مليك بمعناه فظاهر لأنه وصف معرفة بمعرفة وإن كان بلفظ مالك أو ملاك أو مليك محولين من مالك للمبالغة بالمعرفة ويدل عليه قراءة من قرأ ملك يوم الدين فعلاً ماضيا وإن كان بمعنى وهو الظاهر لأن اليوم لم يوجد فهو مشكل لأن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال فإنه تكون إضافته غير محضة فلا يتعرف بالإضافة وإن أضيف إلى معرفة فلا يكون إذ ذاك صفة لأن المعرفة لا توصف بالنكرة ولا بدل نكرة من معرفة لأن البدل بالصفات ضعيف. وحل هذا الإشكال هو أن اسم الفاعل إن كان بمعنى الحال أو الاستقبال جاز فيه وجهان: أحدهما ما قدمناه من أنه لا يتعرف بما أضيف إليه إذ يكون منوياً فيه الانفصال من الإضافة ولأنه عمل النصب لفظاً. الثاني: أن يتعرف به إذا كان فيلحظ فيه أن الموصوف صار معروفاً بهذا الوصف وكان تقييده بالزمان غير معتبر وهذا الوجه غريب النقل لا يعرفه إلا من له اطلاع على كتاب سيبويه وتنقيب عن لطائفه. قال سيبويه رحمه الله تعالى وزعم يونس والخليل أن الصفات المضافة التي صارت صفة للنكرة قد يجوز فيهن كلهن أن يكن معرفة وذلك معروف في كلام العرب انتهى. واستثنى من ذلك باب الصفة المشبهة فقط فإنه لا يتعرف بالإضافة نحو حسن الوجه. ومن رفع الكاف ونون أو لم ينون فعلى القطع إلى الرفع. ومن نصب فعلى القطع إلى النصب أو على النداء والقطع أغرب لتناسق الصفات إذ لم يخرج بالقطع عنها. ومن قرأ ملك فعلاً ماضياً فجملة خبرية لا موضع لها من الإعراب ومن أشبع كسرة الكاف فقد قرأ بنادر أو بما ذكر أنه لا يجوز إلا في الشعر وإضافة الملك أو الملك إلى يوم الدين إنما هو من باب الاتساع إذ متعلقهما غير اليوم. والإضافة على معنى اللام لا على معنى في خلافاً لمن أثبت الإضافة بمعنى في ويبحث في تقرير هذا في النحو، وإذا كان من الملك كان من باب.طباخ ساعات الكرى زاد الكسل.... وظاهر اللغة تغاير الملك والمالك كما تقدم وقيل هما بمعنى واحد كالفره والفاره فإذا قلنا بالتغاير فقيل مالك أمدح لحسن إضافته إلى من لا تحسن إضافة الملك إليه نحو مالك الجن والإنس والملائكة والطير، فهو أوسع لشمول العقلاء وغيرهم، قال الشاعر: قال الأخفش، ولا يقال هنا ملك، ولقولهم مالك الشيء لمن يملكه، وقد يكون ملكاً لا مالكاً نحو ملك العرب والعجم، قاله أبو حاتم، ولزيادته في البناء، والعرب تعظم بالزيادة في البناء، وللزيادة في أجزاء الثاني لزيادة الحروف، ولكثرة من عليها من القراء، ولتمكن التصرف ببيع وهبة وتمليك، ولإبقاء الملك في يد المالك إذا تصرف بجور أو اعتداء أو سرف، ولتعينه في يوم القيامة، ولعدم قدرة الملوك على انتزاعه من الملك، ولكثرة رجائه في سيده بطلب ما يحتاج إليه، ولوجوب خدمته عليه، ولأن المالك يطمع فيه، والملك يطمع فيك، ولأن له رأفة ورحمة، والملك له هيبة وسياسة. وقيل ملك أمدح وأليق إن لم يوصف به الله تعالى لإشعاره بالكثرة ولتمدحه بمالك الملك، ولم يقل مالك الملك، ولتوافق الابتداء والاختتام في قوله {ملك الناس}، والاختتام لا يكون إلا بأشرف الأسماء، ولدخول المالك تحت حكم الملك، ولوصفه نفسه بالملك في مواضع، ولعموم تصرفه فيمن حوته مملكته، وقصر المالك على ملكه، قاله أبو عبيدة، ولعدم احتياج الملك إلى الإضافة، أو مالك لابد له من الإضافة إلى مملوك، ولكنه أعظم الناس، فكان أشرف من المالك.قال أبو علي: حكى ابن السراج عمن اختار قراءة ملك كل شيء بقوله {رب العالمين}، فقراءة مالك تقرير، قال أبو علي، ولا حجة في هذا، لأن في التنزيل تقدم العام، ثم ذكر الخاص منه {الخالق البارئ المصور}، فالخالق يعم، وذكر المصور لما في ذلك من التنبيه على الصنعة ووجوه الحكمة، ومنه {وبالآخرة هم يوقنون}، بعد قوله {الذين يؤمنون بالغيب}، وإنما كرر تعظيماً لها، وتنبيهاً على وجوب اعتقادها، والرد على الكفرة الملحدين، ومنه {الرحمن الرحيم}، ذكر الرحمن الذي هو عام، وذكر الرحيم بعده لتخصيص الرحمة بالمؤمنين في قوله {وكان بالمؤمنين رحيماً} انتهى. وقال ابن عطية: وأيضاً فإن الرب يتصرف في كلام العرب بمعنى الملك، كقوله: فتنعكس الحجة على من قرأ ملك. والمراد باليوم الذي أضيف إليه مالك أو ملك زمان ممتد إلى أن ينقضي الحساب ويستقر أهل الجنة فيها وأهل النار فيها ومتعلق المضاف إليه في الحقيقة هو الأمر كأنه قال مالك أو ملك الأمر في يوم الدين. لكنه لما كان اليوم ظرفاً للأمر جاز أن يتسع فيتسلط عليه الملك أو المالك لأن الاستيلاء على الظرف استيلاء على المظروف.وفائدة تخصيص هذه الإضافة، وإن كان الله تعالى مالك الأزمنة كلها والأمكنة ومن حلها والملك فيها التنبيه على عظم هذا اليوم بما يقع فيه من الأمور العظام والأهوال الجسام من قيامهم فيه لله تعالى والاستشفاع لتعجيل الحساب والفصل بين المحسن والمسيء واستقرارهما فيما وعدهما الله تعالى به، أو على أنه يوم يرجع فيه إلى الله جميع ما ملكه لعباده وخوّلهم فيه ويزول فيه ملك كل مالك قال تعالى: {وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً} {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة} قال ابن السراج: إن معنى {مالك يوم الدين} إنه يملك مجيئه ووقوعه، فالإضافة إلى اليوم على قوله إضافة إلى المفعول به على الحقيقة، وليس طرفاً اتسع فيه، وما فسر به الدين من المعاني يصح إضافة اليوم إليه إلى معنى كل منها إلا الملة، قال ابن مسعود، وابن عباس، وقتادة، وابن جريج وغيرهم: يوم الدين يوم الجزاء على الأعمال والحساب. قال أبو علي: ويدل على ذلك {اليوم تجزى كل نفس بما كسبت}، و{اليوم تجزون ما كنتم تعملون} وقال مجاهد: يوم الدين يوم الحساب مدينين محاسبين، وفي قوله: {مالك يوم الدين} دلالة على إثبات المعاد والحشر والحساب، ولما اتصف تعالى بالرحمة، انبسط العبد وغلب عليه الرجاء، فنبه بصفة الملك أو المالك ليكون من عمله على وجل، وأن لعمله يوماً تظهر له فيه ثمرته من خير وشر.
|